حوار مع صديقي المصلي: جنتك ضاقت بي، بينما جنة ربي لا تضيق.

0 تعليقات 3 مُشاهدة 3 دقائق قراءة

الفصول

لا توجد فصول متاحة.

نصُّ المقال:

هذه خاطرة أحداثها حقيقيَّة، دونتها بعنوان حوار مع صديقي المصلي:

توجَّه إليَّ بعد أن انتظرني طويلا لأُنهي وِرْدا اعتدته بعد صلاة الفجر، دنا مني وعلىٰ مُحيَّاه ابتسامة مفتعلة، فهمت منذ البدء أنَّ الغرض منها فقط هو فتح المجال للنقاش.

  • قال: السلام عليكم أيها الأخ (مُربِّتا علىٰ كتفي، ممَّا جعلني أبدو وكأني في موقف ضعف كحيوان أليف يداعبه مالكه)
  • أجبتُه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، يا صديق.

انقلبت الابتسامة في وجه صديقي المص فجأةً إلىٰ نظرةٍ حادَّةٍ، يبدو أنَّ كلمة يا صديق لم ترُق له.

  • قال (مُحاوِلًا تجاهل الكلمة التي نزلت كمِعولٍ علىٰ رأسه): ما اعتقادك في السُّبحة يا أخ؟

حان الوقت لأبتسم أنا هذه المرَّة، فلا بأس من تبادل الأدوار أحيانًا،

  • أجبته: اعتقادي في السُّبحة هو تمامًا مثل اعتقادك في الأنامل التي ثَبتَتْ في أصابع راحتيك، يا صديق.

من خلال ملامحه علمت أنّ الإجابة لم تكن متوَقَّعةً من طرف صديقي، ممَّا جعله يأخذ مكاني في مسرح الأحداث، ليُصبح أليفًا علىٰ غير الاستئساد الذي كان عليه، إلَّا أنَّ ليس من أولئك الذين يتقبَّلون الحوار علىٰ هذا النَّحو، إنَّه من النوع الذي يعشق الفقه وتفاصيله ويعشق الغوص في دقائقه خصوصا في ما اختُلف فيه حيث يرىٰ نفسه مالك الحقيقة والقول الفصل في ما اختُلف فيه.

إلَّا أنَّ صديقي تجاوز الحدود هذه المرَّة، وانقض على السُّبحة التي في يميني وأخذها وراء ظهره، تفاجأت أنا هذه المرة، ووقفت مشدوهًا أمام هذا التَّصرف غير المتوقع في بيت الله تعالىٰ، وتبسَّم هو وبدت علىٰ مُحيَّاه علامات النَّشوة لهذا الانتصار، وكأنِّي به يقول فيه نفسه: إنَّ الله يزع بالسُّلطان ما لا يزع بالقرآن.

  • قال لي صديقي: أتعتقد أنَّ دين الله لهوٌ ولعب، يأخذه من شاء كما شاء؟
  • قلت: لا أظنني أعتقد هذا.
  • قال: فإذن؛ عليك أن تعلم أنَّ هذه (وأشار بالسبحة) بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار.
  • قلت: الضلالة إذن في النَّار وليست في المسجد.

من جديدٍ لا يدري هو كيف يُجيب، وأنا لا أدري من أين تأتيني هذه الأجوبة، اتَّجهت لآخذ حذائي وتركتُ قلبي مُعلَّقًا مع السُّبحة التي أهدتنيها أعزّ أخواتي في لحظاتٍ كانت جد عصيبة، تلك السُّبحة التي طالما ذكَّرتني خرزاتها التي أقلِّبها بين أصابعي بقلبي الصَّغير الذي يُقَلِّبه ربِّي كيف يشاء، تلك السُّبحة التي تُذكِّرني حبَّاتها بغراس الجنة، تلك السُّبحة التي يذكرني خيطها بحبل الله المتين، تلك السُّبحة التي أتذكر كلما أنهيت تسبيحاتي وعُدت إلىٰ حبتها الأولىٰ الطَّوافَ حول البيت العتيق…

تبعني صديقي الذي لا أعرفه، وهو يحاول أن يُجادل ويُقنعَني ويهديني من ضلالتي.

  • قلت له في حديث هادئٍ جدًّا، وبصوت منكسر جدًا: ما الأذكار التي تردِّدها علىٰ أناملك؟ فأحصىٰ لي بعضها، قلت: كذلك أنا.
  • قال: لكن عليك أن تردِّدها كما فعل الرسول صلىٰ الله عليه وسلم وجمْعُ الصَّحابة من بعده والسَّلف الصالح.

أحسست أنَّ الرجل يأبىٰ إلّا أن يُحوِّل مجرىٰ الحديث إلىٰ ما تعوَّد ترديده بشكل ببغائيٍّ غوغائيٍّ وبلهجته الشديدة والقويَّة، تلك هي قضايا الاتِّباع والابتداع وما هو توقيفي وغير توقيفي…

  • فقلت: في هذه صدقت، وكيف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وجمع الصحابة من بعده والسلف الصالح هذا الأمر؟
  • قال: بالأصابع.
  • قلت: كيف؟
  • قال: هكذا؟
  • أخذت بضعة حُصيَّات من الأرض، وقلت له: وأيضًا هكذا، وأخذت أعد بالحصيات.

بدأ يلعب بلحيته الكثيفة، ثم ردَّ إليَّ سُبحتي وهو يقول: أعوذ بالله من الجهل والجهلاء، هذا زمان البدع والهوان، هذا زمان القصعة… ابق في ضلالك ما أردنا لك إلَّا الجنة.

أخذتُ سبحتي وقد عاد إلي معها قلبي، وقلت له: يا صديق، جنَّة الله أكبر من سُبحتي وأصابعك، وجنَّتي بين جنبيَّ، جنة الله هنا في قلبي يا صديق، ولن تضيق بك كما ضاقت بي جنَّتك، فهي واسعة جدًّا تتَّسع لي ولك.

وقائع حوار مع صديقي المصلي حدثت بمسجد الحي بمدينة طنجة بعد صلاة الصبح ليوم 6 غشت 2017م

الكاتب في سطور:

فهرست المقالة:

أترك تعليقًا

فضيلة الدكتور عبد الجليل البكوري، من مواليد مدينة طنجة بالمملكة المغربية، أستاذ محاضر بجامعة مولاي اسماعيل – المدرسة العليا للأساتذة بمكناس. حاصل على الدكتوراه في علوم التربية والدراسات الإسلامية.

للتواصل

tawasol@elbakouri.ma

0679201001 (212+)

صندوق بريد 4329, الإدريسية, طنجة, المملكة المغربية

طنجة, المملكة المغربية.

جميع الحقوق محفوظة بموجب قانون الملكية الفكرية © 2025

-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00