أيُّها المُعلِّم الجديد؛ إليكَ يا مَن ستقف في الأيام القليلة المُقبِلة -ولأوَّلِ مرَّةٍ- أمام تلاميذك، اِعلم أنَّك لأوَّل مرَّةٍ ستقفُ وحيدًا، تحمِلُ عبءَ أُمَّةٍ بأسرِها، بأثقالها، بأوزارها، بطينيَّتها، بأمِّيَّتها، بأمراضها، بمُخلَّفاتها، بتركاتِها… خُذها نصائح غالية، بعضها ملهِمة، وأخرىٰ مؤلمة، وبعضها الآخر محزنة، وبعضها مُضنية، وبعضها وبعضها وبعضها… فإيَّاك أن تسألَ اللهَ خِفَّة الحِمل، فالأصل أنَّك في مهنةِ المتاعب (سيبقىٰ هذا هو الحال ما دُمنا نتعامل مع التَّدريس بمنظور المِهنة لا الحِرفة)، وعليه؛ تكون القاعدة: ما أدرك خفَّةَ الحِمل إلَّا مَن فرّط في العمل وضيَّع لأمانة، فلا تسأل اللهَ خِفَّة الحِمل بل سَله تعالىٰ قوَّةَ الظَّهر، والبركة في الجُهد، ولا تُفكِّر أن تُغادِر فمَن دخل هذا الطَّريق -فيما أفهم، وخصوصًا من خلال سِيَر الأنبياء- لا يملكُ أن يعود.
أيُّها المُعلِّم الجديد؛ عدد هذه التَّدوينات خمسُ تدوينات، ستُخالفُني في بعض ما سيردُ فيها، وقد ينتقدُني زُملائي في بعض تصوُّراتي، وقد يستدركُ عليَّ بعضُ الأفاضل ما قد يفوتني، كما قد يُشاطرني آخرون الرَّأي، ويصوِّبون لي ما زللتُ فيه… وكلُّ هذا لا ينبغي له أن يعنيَ لكَ أيَّ شيءٍ آخر غير أنَّ التَّعليم تجربةٌ، نعم؛ تجربةٌ بكُلِّ ما تحمله الكلمة مِن معاني، تجربةٌ لأنَّها لا تنضبطُ بقواعدِ التَّربويِّين وحسب، وإنَّما تلتبسُ بالمُدرِّس نفسِه، وروحِه، وكيانه، ووجدانه، وشخضيَّته…
وفي حدود فهمي! فإنَّ ما كُتِب إلىٰ الآن عن نجاح المُدرِّسِ، في مختلف المدارس، وفي مختلف الفترات والمراحل والتَّجارب، يُمكنُني أن أرُدَّه في نهاية المطاف إلىٰ ثُلاثيَّة: الهِبة، والهَيْبة، والموهِبة، وخذها عنِّي أيُّها المُدرِّسُ الجديد علىٰ عجل، هذه خطواتك الأولىٰ في هذه الثُّلاثيَّة في الحصَّة الأولىٰ:
أمَّا الهِبة:
فاعلم أنَّه لا يظهرُ منها عليك في التَّجربةِ الأولىٰ إلَّا سَمتُك، فحسِّنه وارعَ حقَّ الله فيه، فإنَّك في أعظم المواقف التي يتجلَّىٰ فيها اسم الله السِّتير في حياتك، ستقِفُ أيُّها المُعلِّم الجديد وقد تخلَّصت مِن ثقل نواقصك، ستقفُ وأنت تبدو في أعلىٰ درجات كمالِك، ستقفُ شامِخًا، مُعلِّمًا، مُربِّيًا، مُرشدًا، ناصحًا… وإيَّاك أن تنظُر لمطبَّات حياتِك، وسوء ما اقترفته في صحيفةِ أيَّامك، وتقول لا أنصح فلستُ أهلًا له، بل هيَ فرصةٌ مِن الوهَّاب اِبنِ بها صورةً جديدةً لك عنك، إنَّها فرصتُك رُبَّما الأخيرة، أو الأفضل علىٰ أقلِّ تقديرٍ، لتكون أحسنَ نُسخة منك.
وأمَّا الهَيبة
فلا يُلحظُ منها عليك في التَّجربةِ الأولىٰ إلَّا شموخك، واعتدادك بحِرفتك، وحملك الكتابَ بيد والقلم بيد، وستحتاج منك هذه أن تقرأ في سير الأنبياء والمُرسلين، كيف أنَّهم بلَّغوا، وبيَّنوا، وقاوَموا، فقِف منذ يومك الأوَّل وقفة النَّبيِّ في قومه، موجِّهًا نظرك لكل تلاميذك، مُسمعًا صوتك للجميع، موصلًا محبَّتك لجماعَتهم. لا تُعرِّفهم بشخصك، فذاك أمرٌ آتٍ آتٍ، عرِّفهم بمهمَّتك، أنَّك هنا بينهم، لتقول لهم شيئًا مختلفًا، ستعلِّمهم نفس الحروف نعم؛ لكنَّكم معًا ستقولون شيئًا أجمل، شيئًا أنفع، شيئًا أبقىٰ وأدوم.
وأخيرًا الموهِبة:
أمَّا هذه فلا يُرىٰ مِنها عليك في التَّجربة الأولىٰ إلَّا كلامك، فاكسُ ألفاظكَ أحسنها، وتذكَّر أنَّ البداية دائمًا كلمة، لا تُصدِّقهم إن استخفُّوا بالكلمة، وأنَّها لا تُغيِّرُ شيئًا، تلك كِذبةٌ أزرَت بالأُمَّة منذ الصَّدمة الحضاريَّة التي أحَدثها نابليون بونابرت، سُنَنُ اللَّه تُكذِّب ذلك، وتأمَّل معي: كانت كُن ولم يكُن الكونُ، كان القرآن ولم تكن أمة القرآن، مهما استقرَّ الإيمان في القلب فلا يكتمل إلَّا بكلمة، لا إله إلَّا الله، الوحيُ كلمة… إذن إبدأ في صقل موهبتك بإتقانِ الكلمة.