نتطرق في هذه المقالة من سلسلة أبحاث في تاريخ التربية إلى التربية الإسبرطية من حيث هدفها ومحتواها والنظام التعليمي السائد حينها والموقف الذي اتَّخذته إسبرطة من تعليم المرأة، وقبل ذلك نبدأ بخذه اللمحة الموجزة عن الأوضاع العامة في إسبرطة:
الأوضاع العامة في إسبرطة:
دائما ما ترتبط التربية بالأوضاع السياسية، وهذا ما تثبته بشكل مُتكرِّر الدراسات في تاريخ التربية، فقد كان نظام الحكم في إسبرطة قاس، يحتم على المواطنين الالتزام به وإلا تعرضوا للتجريد من المواطنة،[1] وأثر ذلك على الوضع التربوي إذ ظل قابعا في فكرة الولاء و الطاعة للملوك،[2] ففي ظل ما سمي بالدستور الإسبرطي كانت التربية أكثر اهتماما ـ من أي وقت مضى ـ بالإعداد الجسمي والقوة البدنية وتكريس قيم الطاعة والولاء.[3] أما في ظل ما يسمى بالعصر الذهبي لإسبارطة فكانت التربية أكثر تركيزا على متطلبات الحياة العسكرية… وحتى انتشار تعلم الموسيقى، والأغاني وقول الشعر، إنما كان بدوافع حربية بحتة.[4]
ولم يكن للآباء سلطان على أبنائهم، فقد كان الأطفال يعتبرون ملكا للدولة، وكان الطفل عند مولده يستحم بالخمر لإثبات مدى قدرته وتحمله،[5] وكان الطفل الرضيع يعرض على مجلس عام من الكبار ليقرر ما إذا كان يستحق الحياة أو الموت[6] فالطفل الذي يجتاز الامتحان يرسل إلى المنزل ليقوم والده بتربيته حتى السابعة، وعندها تقوم الأم بتسليمه إلى الدولة لتتولى تربيته[7]…
هدف التربية الإسبرطية
استخدمت الدولة في إسبرطة التعليم لخدمة أغراضها، وهي بهذا تعتبر نموذجا للتربية في المجتمعات الدكتاتورية[8] حيث كان النظام التعليمي الإسبرطي يستهدف تقوية النسل بأقسى الطريق… وفي ضوء هذا الاتجاه تحسن النسل وتحصل الحكام الإسبرطيون على جيل سليم وقوي البنية… غير أن هذه النتيجة في تحسين النسل تعود أكثر إلى التدريب منه إلى العناية بالنسل،[9] واستهدفت التربية الإسبرطية أيضا تكوين الجسم العسكري القوي وبناء روح الجندية المخلصة المتفانية في خدمة وطنها وتحمل أقصى الصعاب في سبيل ذلك،[10]والهدف في نهايته من هذه التربية، هو تربية الشجاعة الحربية و التفوق العسكري للدولة.[11]
محتوى التربية الإسبرطية:
يتضمن محتوى التربية الإسبرطية التدريب الروحي والخلقي والديني والرياضة الجسمية والعسكرية والأغاني الوطنية وكذلك الموسيقى الحماسية،[12] بما يخدم الهدف الأسمى للتربية ألإسبرطية ألا وهو الدافع العسكري والحربي. فكان إهمال إسبرطة لأمر القراءة و الكتابة كبيرا، فإلى جانب التدريبات الرياضية والعسكرية، كان الطفل يتعلم أيضا قليلا من القراءة والكتابة، ولكن بقدر الحاجة الفردية إليها، وما يمكنه من الخروج من الأمية فقط،[13]ولم يقتصر إهمال الإسبرطيين على تعلم القراءة والكتابة، بل امتد أيضا لمدرسة النحو والمنطق والحساب و الخطابة.[14]
نظام التربية الإسبرطية:
كان الطفل يلتحق بهذه المدارس القاسية في سن السابعة من عمره، وتتكفل الدولة بتنشئته، فيدمج في فرقة عسكرية تحت إشراف ما يسمى (بيدونوموس أو القيّم على الأولاد)”[15]
وكان النظام التربوي الجسمي والعسكري قاسيا لدرجة أن بعض الشباب كان يموت من جرائه… كما أن تدريب الشباب كان يمتد حتى سن الثلاثين، وعندها يجبرون على الزواج، ويعاقب العزاب، و يحدد سن الثلاثين للرجال والسن العشرين للنساء، كأنسب عمر للزواج[16] ويصبحون مواطنين مع بقائهم كجنود طول حياتهم.[17]
تعلم المرأة:
لم تكن البنت بمعزل عن تأثيرات هذا القانون التربوي، فالدولة فرضت عليها مثل هذه التربية، إذ تقوم هي الأخرى ـ وجوبا ـ ببعض الألعاب كالجري، والمصارعة، وإطلاق السهام، من أجل تقوية بدنها، وتحسين بنيتها الجسمية، و إعدادها صالحة للأمومة[18] فاحتفظت المرأة بمكانتها (الهومرية) العالية وبحقوقها في مشاركة الرجل الحرب والشجاعة والإرث والملكية[19]
وفي الأخير دراسة تاريخ التربية يجعلنا نسبتصر بالتَّطور التاريخي لحركة التربية في مختلف المجتمعات، وبالتالي تجعلنا أكثر قدرة على التَّنبؤ والتخطيط للشَّأن التربوي.
[1] د. مرسي منير، محمد ص 85.
[2] د. فرحاتي، العربي ص 129.
[3] د. فرحاتي، العربي ص 131.
[4] د. فرحاتي، العربي ص 130.
[5] د. مرسي منير، محمد ص 85.
[6] د. مرسي منير، محمد ص 85.
[7] د. مرسي منير، محمد ص 85.
[8] د. مرسي منير، محمد ص 86.
[9] د. فرحاتي، العربي ص 132.
[10] د. مرسي منير، محمد ص 86.
[11] د. فرحاتي، العربي ص 132.
[12] د مرسي منير، محمد ص 87.
[13] د. فرحاتي، العربي ص 132.
[14] د مرسي منير، محمد ص 87.
[15] د فرحاتي، العربي ص 132.
[16] د فرحاتي، العربي ص 133.
[17] د مرسي منير، محمد ص 87.
[18] د فرحاتي، العربي ص 132.
[19] د فرحاتي، العربي ص 133.