القيادة التربوية: المفهوم، المرتكزات، والأدوار في ضوء الأدبيات التربوية المعاصرة

سلسلة مصطلحات ومفاهيم تربوية

0 تعليقات 38 مُشاهدة 4 دقائق قراءة

نصُّ المقال:

مقدمة

في سياق السَّعي نحو تحسين الأداء المدرسيِّ، وتعزيز جودة التَّعلم، برز مفهوم القيادة التربوية باعتباره أحدَ المفاتيح المحوريَّة في تطوير الأنظمة التَّعليميَّة. حيث اتَّجهت الدِّراسات والأبحاث المتخصِّصة إلىٰ التَّأكيد أنَّ القيادة الفعَّالة ليست فقط أداة لتدبير الشَّأن المدرسي، بل هي قوة محركة للتحول الإيجابي في البيئة التَّربوية.
نقدم اليوم في سلسلة مفاهيم ومصطلحات تربوية هذا الموضوع حول القيادة التربوية فما المقصود بالقيادة التَّربوية؟ وما هي أهمُّ أدوار القائد التَّربوي؟ وما الأنماط القيادية التي أثبتت فعاليتها في المؤسسات التعليمية؟

مفهوم القيادة التربوية

يُعرّف Bush (2003) القيادة التَّربوية بأنَّها “عملية التَّأثير علىٰ الآخرين لتحقيق أهداف التَّعليم والتَّعلُّم”، بينما يرىٰ Leithwood et al. (2006) أنَّ القيادة التَّربوية تشمل وضع الرُّؤية، وتحفيز العاملين، وتوفير الظُّروف اللَّازمة لتحقيق الأهداف التَّربوية.

وبحسب سلسلة كتب الإدارة التربوية (عبد اللطيف الجوهري، 2019)، فإنَّ القيادة التَّربوية هي:

“القدرة علىٰ التَّأثير الإيجابيِّ في سلوك العاملين داخل المؤسَّسة التَّعليمية، وتوجيه جهودهم نحو تحقيق أهداف تربويَّة مشتركة، من خلال التَّخطيط والتَّنظيم والتَّقويم، في ظل قيمٍ إنسانيَّة وتربويَّة واضحة”.
وعليه، فالقيادة التَّربوية ليست مجرد إدارة للموارد أو تنفيذ للإجراءات، بل هي ممارسة قائمة علىٰ الرُّؤية والبناء الثَّقافي والإنسانيِّ داخل المؤسسة التَّعليمية.

الفرق بين الإدارة التربوية والقيادة التربوية

من المهم التَّمييز بين الإدارة والقيادة في السِّياق التربويّ. فبينما ترتكز الإدارة علىٰ المحافظة على النِّظام القائم وضمان تنفيذ السِّياسات، تنشغل القيادة بتوجيهِ المستقبل، وإحداث التَّغيير، وتحفيز الأفراد نحو التَّميز.

يقول Fullan (2001): “كل قائدٍ مدير، ولكن ليس كل مديرٍ قائد”. ومِن هنا تبرز أهميَّة إعادة النَّظر في تكوين مديري المؤسَّسات التَّربوية علىٰ أساس الكفايات القيادية بما فيها القيم التي تتطلَّبُها القيادة، وليس فقط على المهارات التَّنظيمية.

المرتكزات العلمية للقيادة التربوية

انطلاقًا من الأدبيات الحديثة، تقوم القيادة التَّربوية على جُملة من الأسس النَّظرية:

  • النظرية التحويلية (Transformational Leadership) وتركّز علىٰ إلهام الموظفين وتحفيزهم من خلال الرؤية المشتركة، كما عند Burns وBass.
  • نظرية القيادة التَّشاركية (Distributed Leadership) وهذه تُشجّع علىٰ إشراك جميع أعضاء الفريق في اتِّخاذ القرار، مما يعزِّز الشعور بالانتماء والفعالية.
  • نظرية القيادة بالمواقف (Situational Leadership) تفترض هذه النَّزريَّة أنَّ نمط القيادة الأمثل يتغيّر حسب الوضعيات التعليمية والموارد والفاعلين.

وقد أكد Leithwood & Jantzi (2008) أنَّ أكثر القادة تأثيرًا هم من يجمعون بين وضوح الرُّؤية، وبناء الفريق، ومتابعة النَّتائج التربوية.

أدوار القائد التربوي في المؤسسات التعليمية

إنَّ أبرز ما يجب معرفته عن أدوار القائد التَّربوي، كما تُقدِّمها أدبيات القيادة التربوية:

  • بناء رؤية واضحة: يقود القائد التربوي المؤسسة برؤية تربوية مشتركة، مستندة إلى حاجات المتعلمين وسياقاتهم.
  • تحفيز وتطوير الموارد البشرية: يشجع على التكوين المستمر، ويخلق مناخًا إيجابيًا للتمهين والتجريب.
  • ضبط العلاقات التربوية والتنظيمية: يضمن احترام الأدوار وتكاملها بين المعلمين، والمتعلمين، والأسر.
  • تدبير التغيير: يتعامل مع التغيير كممارسة ضرورية، ويعمل على قيادته بدل مقاومته.
  • تتبع النتائج والتقويم التربوي: يُشرف على تحليل نتائج المتعلمين، وتطوير استراتيجيات الدعم، وتحقيق جودة الأداء.
  • تعزيز الشراكات والانفتاح: يُنمّي التعاون مع المحيط المحلي، ويُفعّل دور الجماعة المدرسية والمجالس التربوية.

أنماط القيادة التربوية الأكثر تأثيرًا


استنادًا إلى دراسات Hallinger (2011) وLeithwood (2019)، فإن الأنماط التالية أثبتت فعاليتها في تطوير المؤسسات التعليمية:

  • القيادة التحويلية: تركز على بناء رؤية مستقبلية، والتحفيز الرمزي والمعنوي.
  • القيادة التشاركية: توزع السلطة، وتشجع المبادرات الفردية داخل الفريق التربوي.
  • القيادة الأخلاقية: ترتكز على القيم في اتخاذ القرارات، وتقديم النموذج السلوكي للمتعلمين والمعلمين.
  • القيادة بالمشروع: تقود التحول من خلال مشاريع تربوية جماعية محددة الأهداف والنتائج.

القيادة التربوية في ضوء الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار

أبرزت الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2015–2030 أهمية القيادة التربوية بوصفها من ركائز الانتقال إلى مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، حيث شدّدت علىٰ ضرورة: “تحقيق انتقال نوعي في أدوار الإدارة التربوية، من منطق التدبير الإداري التقليدي إلى منطق القيادة التربوية المحفِّزة على تجويد التعليم والتعلم.” (الرؤية الاستراتيجية، الدعامة 13، النقطة 52)
كما دعت الرؤية إلى إعادة تعريف وظيفة القيادة التربوية في المؤسسات التعليمية باعتبارها قوة اقتراح وتدبير وتعبئة، وإلى توفير تكوين مستمر وملائم للمسؤولين التربويين، يراعي الكفايات التدبيرية والقيادية الحديثة.

أما القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، فقد أقرّ مجموعة من المقتضيات القانونية التي تعزّز هذا التوجه، أهمها:

المادة 31: التي تنص على تطوير حكامة المؤسسات التعليمية عبر “الارتقاء بقدرات الفاعلين التربويين والإداريين، وتمكينهم من آليات القيادة الناجعة، في أفق تحقيق الفعالية والنجاعة والشفافية في التدبير”.
المادة 32: التي تربط تحقيق النجاعة بفعالية الأداء القيادي للمؤسسة، داعية إلى ترسيخ ثقافة التقييم والمساءلة على مستوى القيادة التربوية.

إن هذه المقتضيات تُجسّد وعي المشرّع المغربي بأهمية التمكين القيادي في إنجاح الإصلاح التربوي، وتؤكد أنَّ أيّ تحول نوعي في المدرسة المغربية يستدعي إعادة الاعتبار للقيادة التربوية، من خلال التكوين، والتفويض، والتحفيز، والمحاسبة.

خاتمة


إنّ القيادة التَّربوية لم تعد وظيفة بيروقراطية، بل غدت جوهرًا من جواهر الإصلاح التربوي، وأداة محورية في إرساء مدرسة ذات جودة وعدالة وفاعلية. ومن ثم، فإن الاستثمار في تكوين القيادات التربوية، وتنمية الكفايات القيادية للمديرين والمشرفين التربويين، يُعد من الأولويات العاجلة في أي إصلاح تعليمي حقيقي.

الكاتب في سطور:

أترك تعليقًا

فضيلة الدكتور عبد الجليل البكوري، من مواليد مدينة طنجة بالمملكة المغربية، أستاذ محاضر بجامعة مولاي اسماعيل – المدرسة العليا للأساتذة بمكناس. حاصل على الدكتوراه في علوم التربية والدراسات الإسلامية.

للتواصل

tawasol@elbakouri.ma

0679201001 (212+)

صندوق بريد 4329, الإدريسية, طنجة, المملكة المغربية

طنجة, المملكة المغربية.

جميع الحقوق محفوظة بموجب قانون الملكية الفكرية © 2025

-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00